- استهداف هذا الدين العظيم ورسوله الأمين وكتابه المبين ليس جديداً على طوائف من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فالصراع العقدي معهم من يوم أن تنكبوا طريق الأنبياء والمرسلين قبل مبعث محمد _صلى الله عليه وسلم_، ثم كانت مع هذا النبي الخاتم - عليه الصلاة والسلام - عندما كفروا بهذا الدين - حسداً من عند أنفسهم – وسوف تستمر هذه العداوة والخصومة، ونعلم من أخبار الفتن والملاحم الصحيحة أن الملحمة الكبرى في آخر الزمان ستكون مع النصارى، وأن معركة المسلمين الأخيرة ستكون بين المسلمين بقيادة مسيح الهدى عيسى بن مريم _عليه السلام_ وبين اليهود بقيادة مسيح الضلالة الدجال، وقد جاء في حديث ابن مخيريق مرفوعاً: (فارس نطحةً أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون أصحاب بحر وصخر، كلما ذهب قرن خلف قرن مكانه هيهات إلى آخر الدهر...) الحديث.
2- الطاعنون بمحمد _صلى الله عليه وسلم_ قديماً وحديثاً من المنتسبين لأهل الكتاب على نوعين، ملاحدة حاقدون يطعنون بمحمد _صلى الله عليه وسلم_ وبغيره من إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هؤلاء هم أصحاب الفكر العلماني المضاد للدين عموماً، من ملاحدة الشيوعيين والوجوديين وفلاسفتهم وكتابهم، وآخرون صليبيون متعصبون ضد الإسلام ونبيه الخاتم عليه الصلاة والسلام، من أحبار اليهود وقساوسة النصارى من المتعصبين والمتصهينين.
3- أسلوب هؤلاء الكتاب المجرمين في حق نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ ينتمي إلى أساليب القرون الوسطى، فكُتاب أوروبا ومستشرقوها وقساوستها إبان القرون الوسطى ثم ما سمي بعصر النهضة كان سافراً بالخصومة، مُسفاً بالأسلوب، مملوءً بالشتائم والتنقص المباشر، الذي ترفعت عنه مروءات قريش، تغير هذا الأسلوب – من حيث الجملة – في العصر الحديث حيث كان السائد على كتاب هذا العصر هو الطعن بالتواء وغموض وبطرق غير مباشرة عدا من تأثر بالفكر الماركسي المؤدلج على إسقاط كرامة الأنبياء وقدسية الأديان.
4- الظاهرة الدنمركية مكرورة بشكل لافت منذ أحداث سبتمبر 2001 م، وهي جزء من تيار عريض في أوروبا وأمريكا – تيار صدام الحضارات – رأيناهم يستدعون تلك الثقافة العنصرية المتعصبة الحاقدة، وهي ثقافة منتشرة على مستوى رجال الدين والفلاسفة والمستشرقين الجدد والكتاب والصحفيين والساسة، وهي لا تعدو أن تكون فصولاً مما حكاه القران عن طوائف من أهل الكتاب وموقفهم من هذا الدين الخاتم وكتابه ونبيه عليه الصلاة والسلام قال _تعالى_: "قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ"، وقال _تعالى_: "وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ"،وقال _عز وجل_: "لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ".
5- هؤلاء الجناة في حق حبيبنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ ليسوا جهلة به وبرسالته، فلو أرادوا الحق لعرفوه، فالقران مترجم لأكثر من مئة لغة، وترجم عدة ترجمات بأيدي مسلمين وغربيين منذ أكثر من تسع مئة سنة، وأما سيرة محمد _صلى الله عليه وسلم_ فقد كتب الغربيون عنها دراسات أكاديمية وحققوا عدداً من كتب التراث وترجموا كثيراً من الكتابات بلغت المئات، ومن الموافقات أن المستشرقين الدانمركيين هم أكثر من كتب عن سيرة محمد _صلى الله عليه وسلم_ بعد الفرنسيين، صحيح أنها مشوهة، بعضها بجهل لكن أغلبها بقصد.
6- لماذا يطعنون بمحمد _صلى الله عليه وسلم_، لأنه لا يوجد في الدنيا من يصح أو يصلح أن يكون أسوة للإنسانية في سيرته سواه، فسير الأنبياء قبله حُرفت وشوهت وجحدت، وغير الأنبياء في الديانات الوثنية لا تجد لرموزها إلا حكايات وقصص لا تثبت أمام ميزان النقد التاريخي، خذ بوذا مثلاً حيث يدين له أو به ربع العالم ، ماذا يعرف عن سيرته، وما عرف ما مدى ثبوته لو أخضع للنقد التاريخي، أما سيرة محمد _صلى الله عليه وسلم_ فمحفوظة بتفاصيلها وموثقة بتاريخها، جامعة لأطوار الحياة وشئونها، شاملة لجميع مراحلها، عملية تطبيقة ليست نظرية تجريدية قال _تعالى_: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" .
7- يكفي أمة الدعوة أن تعرف كم أٌلّف عن محمد _صلى الله عليه وسلم_، عن سيرته، عن خصائصه، عن شمائله، عن الأحكام المتعلقة بحكم سبّه والطعنّ به، حتى يدرك هؤلاء الجناة كم هو عظيم في نفوس المسلمين، بل وغير المسلمين من المنصفين، وكم هو حبيب إلى قلوب المؤمنين، هذا هو سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائدنا المفدى بالآباء والأمهات، بل والنفوس عليه الصلاة والسلام، يقول الأستاذ سليمان الندوي في إحدى محاضراته عن السيرة: أنه التقى المستشرق ماسنيون في فرنسا، فقال له المستشرق: يكفي أوروبا لتعرف محاسن رسول الله محمد _صلى الله عليه وسلم_ ومحامده أن يُنقل كتاب الشفا للقاضي عياض إلى إحدى اللغات الأوربية.
8- ماذا يستهدفون؟ شخص محمد _صلى الله عليه وسلم_ ، لو كان حياً، كان معصوماً، "وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"، وأما استهزاؤهم فقد كفاه الله ذلك منذ زمن استهزاء الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل، "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"، يريدون إبطال رسالته هيهات!! فالقرآن تكفل الله بحفظه تنزيلاً وتأويلاً، "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ، حتى الرسم كذلك، وبدت محاولات المحرفين للقرآن كألاعيب صبيان يتندر بها المسلمون، وأما السنة فهي من الذكر، "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" – والذكر في أحد التأويلين السنة، وإن كان الآخر فالأمة استحفظت هذه السنة فوفت ووفّت فهي محفوظة بحفظ الله ثم بحفظ الأمة لها، فلن ينالوا من ديننا شيئا ولكن يؤذننا فقط، كما قال _تعالى_: "لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ"، يؤذوننا بمثل هذا الكلام الفاحش لفرط محبتنا لنبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_.
9- دعوى الحرية التي يعتذر بها رئيس وزراء النرويج ومؤسسة الحزب الحاكم وصحافته الجانية وسفيره في الرياض دعوى ظالمة، وإلا فليتيحوا للرأي الأخر - من مسلمين وغربيين – نقد ممارسات اليهود ودعاويهم الباطلة الدينية منها والسياسية، لماذا يحاكم المفكر جارودي في فرنسا والمؤرخ إيرفنق البريطاني في النمسا؟ فقط لأنهم شككوا في مبالغات اليهود في المحرقة، فأشهروا في وجوههم سيف قانون السامية الذي استصدر لحماية اليهود مع أن كثيرا من هؤلاء اليهود ليسوا ساميين، وإنما من يهود الخزر ومن السلالات المتهودة من أقوام شرق أوروبا ، لماذا أجلبوا بخيلهم ورجلهم على الطالبان عندما اعملوا معتقدهم وحريتهم في هدم تمثال، ألا تكفي القوانين المانعة لإثارة العنصرية والكراهية في القوانين الغربية لمنع عدوان هؤلاء على محمد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، الذي يدين له أكثر من ربع سكان المعمورة، وجزء مهم من سكان أوروبا، وطائفة معتبرة من سكان الدانمرك.
10- هذا هناك أما هنا فأين المصطفون في صالونات ثقافة الرأي والرأي الأخر، وثقافة نحن والأخر، وثقافة التعايش، هذا هو الأخر الذي يطعننا في رمز القداسة، لما لم تنتصروا لنبيكم، أم أنه صار آخر بالنسبة لكم، أنصفوه من البغاة إن كنتم ما زلتم تعتقدون أن له حقاً عليكم، وأنه بقي في قلوبكم حد أدنى من المحبة له ، أم أن مسيرة الإصلاح – في نظركم – تقتضي أن هذا من صور التطرف والإرهاب، وأن قيم التسامح والاعتدال تقتضي حرية الطعن بمحمد عليه الصلاة والسلام ، ومن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلام.
11- سيقال عن المواقف المنتصرة لنبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ من حملات صحفية وقنوات فضائية ومقاطعة استهلاكية، أنها لم تنشط إلا لأن العدوان جاء من دولة صغيرة لا أنياب لها وإلا أين أنتم من تدنيس المصحف في معتقلي جوانتنامو وأبو غريب ومن طعن النبي عليه الصلاة والسلام من قبل رموز دينية متصهينة ومن تقتيل الشعوب بدم بارد ثم لا مقاطعة ولا حملات إعلامية ولا مواقف سياسية ، وأقول هذا حق لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، وسيقال لماذا هذه الثورة بسبب كلام صحفي سفيه على شخص محمد _صلى الله عليه وسلم_ الذي لن يضره شيء، وقد كفاه الله المستهزئين ثم لا نرى مثل ذلك ولا أقل عندما ينتقص الدين من أطرافه وأوساطه وتغرب المجتمعات الإسلامية وتفسد المرأة في بلاد المسلمين بزعم تحريرها، وأقول هذا سؤال مشروع، تجيب عليه الأمة التي أمرها الله بقوله: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وسيقال لماذا المقاطعة؟ فهي غير مؤثرة وتحرمنا مواد استهلاكية مفيدة وتصيب تجاراً بغير حق، وأقول لو قيل غير كافية لسلم القول، أما أن يقال غير مؤثرة فهذه عقلانية باردة أو مداهنة، والواقع أننا بحاجة إليها لأنه الموقف الذي من خلاله يستطيع الجميع التعبير عن مناصرتهم لنبيهم محمد _صلى الله عليه وسلم_ ثم هو موقف لتعزيز أصل الولاء والبراء الذي يعتدي عليه الظالمون كل حين.
وسيقال هذه ردود فعل عاطفية مؤقتة تهويناً من شأنها، وأقول هو موقف احتسابي ضروري ولو كان مؤقتاً، حتى يشعر المعتدون أننا أحياء ولسنا أمواتا، وأن الرعب الذي يثيرونه ضد مواقفنا المختلفة من خلال تهم التطرف والإرهاب لم يؤت أكله.
12- إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، فتحويل المشكلة إلى فرصة والمحنة إلى منحة طريقة الموفقين، فرصد جائزة لأحسن بحث عن نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ ثم نشره هناك بعد ترجمته، والتبرع بتكاليف المرافعة ضد المعتدين، واستثمار الحدث للتعريف بالإسلام والدعوة إليه هنا وهناك، والدخول المتوقع لبعض الناس في الإسلام بعد هذا التفاعل والتظاهر، والجهاد الإلكتروني، هو تأويل ذلك، وينقلب السحر على الساحر، والله لا يصلح عمل المفسدين.