(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ)؟
كل
من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين غير المسلمين
أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل صفات الكمال البشري من حسن الخلق
ورجاحة العقل وسلامة الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلاغة اللسان.
هذا الفيلسوف الإنجليزي (توماس كارليل) الحائز على جائزة نوبل يقول في
كتابه الأبطال: " لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن
يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.
وإن
لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة؛ فإن الرسالة
التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو
مائتي مليون من الناس، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات
عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة؟!
إلى أن
قال: " وعلى ذلك، فلسنا نَعُدُّ محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً، يتذرع
بالحيل والوسائل إلى بغيته، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان، أو إلى غير ذلك
من الحقائر. وما الرسالة التي أدَّاها إلا حق صراح، وما كلمته إلا قول
صادق.
كلا، ما محمد بالكاذب، ولا المُلفِّق، وهذه حقيقة تدفع كل باطل، وتدحض حُجة القوم الكافرين.
ثم
لا ننسى شيئاً آخر، وهو أنه لم يتلق دروساً على أستاذ أبداً، وكانت صناعة
الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلاد العرب ـ وعجيب وأيم الله أُمِّيَةَ العرب ـ
ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر، ولم يغترف من مناهل غيره، ولم يكن
إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء، أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح
الهادية في ظلمات الدهور.
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق
العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً، شديد
الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة،
حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان ـ على العموم ـ تضيء
وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة
ككذب أعماله وأقواله ". ويقول: " كان عادلاً، صادق النية، كان ذكي اللـب،
شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئاً نوراً،
رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك".
و بعد أن أفاض (كارليل) في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات: "هكذا تكون العظمة· هكذا تكون البطولة·هكذا تكون العبقرية".